الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
إن أردت الخطوط: فقل كأنها، وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال: أردت كأن ذلك ويلك، أو للصداق الواقع موقعه صدقاتهن كأنه قيل: وآتوا النساء صداقهن والحمل على المعنى كثير، ومنه قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} [المنافقون: 10] حيث عطف على ما دل عليه المذكور ووقع موقعه، أو للصداق الذي في ضمن الجمع لأن المعنى آتوا كل واحدة من النساء صداقًا، وقيل: الضمير عائد إلى الإيتاء، واعترض بأنه إنما يستقيم إذا أريد به المأتى، ورجوع ضمير إلى مصدر مفهوم، ثم تأويل ذلك المصدر عنى المفعول لا يخلو عن بعد، واللام متعلقة بالفعل وكذا عن بتضمينه معنى التجافي والتباعد، وإلا فأصله أن يتعدى لمثل ذلك بالباء كقوله: ومن متعلقة حذوف وقع صفة لشيء أي كائن من الصداق، وفيه بعث لهنّ على تقليل الموهوب حتى نقل عن الليث أنه لا يجوز تبرعهن إلا باليسير ولا فرق بين المقبوض وما في الذمة إلا أن الأول هبة والثاني إبراء، ولذلك تعامل الناس على التعويض فيه ليرتفع الخلاف.{نَفْسًا} تمييز لبيان الجنس ولذا وحد، وتوضيح ذلك على ما ذكره بعض المحققين أن التمييز كما قاله النحاة إن اتحد معناه بالمميز وجبت المطابقة نحو كرم الزيدون رجالًا كالخبر والصفة والحال، وإلا فإن كان مفردًا غير متعدد وجب إفراده نحو كرم بنو فلان أبًا إذ المراد أن أصلهم واحد متصف بالكرم فإن تعدد وألبس وجب خلفه بظاهر نحو كرم الزيدون آباءًا إذا أريد أن لكل منهم أبًا كريمًا إذ لو أفرد توهم أنهم من أب واحد، والغرض خلافه وإن لم يلبس جاز الأمران، ومصحح الإفراد عدم الإلباس كما هنا لأنه لا يتوهم أن لهن نفسًا واحدة ومرجحه أنه الأصل مع خفته ومطابقته لضمير {مِنْهُ}، وهو اسم جنس والغرض هنا بيان الجنس، والواحد يدل عليه كقولك: عشرون درهمًا، والمعنى فإن وهبن لكم شيئًا من الصداق متجافيًا عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى البذل من شكاسة أخلاقكم وسوء معاملتكم، وإنما أوثر ما في النظم الكريم دون فإن وهبن لكم شيئًا منه عن طيب نفس إيذانًا بأن العمدة في الأمر طيب النفس وتجافيها عن الموهوب بالمرة حيث جعل ذلك مبتدأً وركنًا من الكلام لا فضلة كما في التركيب المفروض.{فَكُلُوهُ} أي فخذوا ذلك الشيء الذي طابت لكم عنه نفوسهن وتصرفوا فيه تملكًا، وتخصيص الأكل بالذكر لأنه معظم وجوه التصرفات المالية. {هَنِيئًا مَّرِيئًا} صفتان من هنؤ الطعام يهنؤ هناءة ومرؤ يمرؤ مراءة إذا لم يثقل على المعدة وانحدر عنها طيبًا. وفي الصحاح نقلًا عن الأخفش يقال: هنؤ وهنيء. ومرؤ ومريء، كما يقال: فقه وفقه بكسر القاف وضمها ويقال: هنأني الطعام يهنئني ويهنأني ولا نظير له في المهموز هنأ وهنأ، وتقول: هنئت الطعام أي تهنأت به وكذا يقال: مرأني الطعام يمرأ مرءًا، وقال بعضهم: أمرأني، وقال الفراء: يقال: هنأني الطعام ومرأني بغير ألف فإذا أفردوها عن هنأني قالوا: أمرأني، وقيل الهنيء الذي يلذه الآكل، والمريء ما تحمد عاقبته، وقيل: ما ينساغ في مجراه الذي هو المريء كأمير وهو رأس المعدة، والكرش اللاصق بالحلقوم سمي به لمرور الطعام فيه أي انسياغه، وانتصابهما كما قال الزمخشري على أنهما صفتان للمصدر أي أكلًا هنيئًا مريئًا ووصف المصدر بهما كما قال السعد: على الإسناد المجازي إذ الهنيء حقيقة هو المأكول أو على أنهما حالان من الضمير المنصوب أي كلوه وهو هنيء مريء، وقد يوقف على كلوه ويبتدأ هنيئًا مريئًا على الدعاء وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين كأنه قيل: هنأ مرأ، وأورد على ذلك مع أن الدعاء لا يكون من الله تعالى حتى أولوه أنه تحريف لكلام النحاة ومخالفة لهم، فإنهم يجعلون انتصاب {هَنِيئًَا} على الحال، و{مَّرِيئًا} إما على الحال، وإما على الوصف، ويدل على فساد ما خرّجه الزمخشري وصحة قول النحاة ارتفاع الأسماء الظاهرة بعد {هَنِيئًا مَّرِيئًا}، ولو كانا منتصبين انتصاب المصادر المراد بها الدعاء لما جاز ذلك فيها كما لا يجوز أن يقال: في سقيا لك ورعيا سقيا الله تعالى لك ورعيا الله لك، وإن كان ذلك جائزًا في فعله، والدليل على جواز رفع الأسماء الظاهرة بعدهما قول كثير: فإن ما مرفوعة بما تقدم من {هَنِيئًَا} أو {مَّرِيئًا} على طريق الإعمال، وجاز الإعمال في هذه المسألة، وإن لم يكن بينهما رابط عطف لكون مريئًا في الغالب لا يستعمل إلا تابعًا لهنيئًا فصارا كأنهما مرتبطان لذلك ورد بأن سيبويه قال: هنيئًا مريئًا صفتان نصبهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره المختزل لدلالة الكلام عليه، وفيه أنه ليس بنص فيما ذهب إليه الزمخشري لاحتمال أنه أراد أنهما صفتان منصوبان على الحالية، والعامل فيهما فعل محذوف يدل الكلام عليه كالمصادر المدعو بها في أنها معمولة لفعل محذوف يدل الكلام عليه، ويؤيد ذلك أنه قال بعد ذلك كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئًا فإن هذا مما يقال: على تقدير إقامتهما مقام المصدر، ومن هنا قال السفاقسي: إن مذهب سيبويه والجماعة أنهما حال منصوب بفعل مقدر محذوف وجوبًا لقيامهما مقامه كقولك: أقائمًا وقد قعد الناس، واعترض بهذا على ما تقدم من احتمال جعلهما حالًا من الضمير المنصوب في {كلوه} إذ عليه يكونان من جملة أخرى لا تعلق لهما بكلوا من حيث الإعراب.واعترض أيضًا على الاستدلال بالبيت على رفع الظاهر بهما بأنه لا يتم لجواز أن تكون ما مرفوعة بالابتداء ولعزة خبره، أو مرفوعة بفعل مقدر، وكيفما كان الأمر يكون قوله سبحانه ذلك عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة، وفي «كتاب العياشي» من الإمامية مرفوعًا إلى عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن في بطني وجعًا فقال: ألك زوجة؟ قال: نعم. قال: استوهب منها شيئًا طيبة به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلًا ثم اسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه فإني سمعت الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} [ق: 9] وقال تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وقال عز شأنه: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء مّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء والمريء شفيت إن شاء الله تعالى ففعل الرجل ذلك فشفي، وأخرج عبد بن حميد وغيره من أصحابنا عن علي كرم الله تعالى وجهه ما يقرب من هذا بلفظ إذا اشتكى أحدكم فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحوها فليشتر بها عسلًا وليأخذ من ماء السماء فيجمع هنيًا مريئًا وشفاءً ومباركًا. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن أناسًا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساقه إلى امرأته فنزلت هذه الآية، وفيها دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بني الشرط على طيب النفس وقلما يتحقق ولهذا كتب عمر رضي الله تعالى عنه إلى قضاته أن النساء تعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. وحكى الشعبي أن رجلًا أتى مع امرأته شريحًا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع فقال شريح: ردها عليها فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ} قال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه، وعنه أقيلها فيما وهبت ولا أقيله لأنهن يخدعن والذي عليه الحنفيون أن الزوجة إذا وهبت شيئًا للزوج ليس لها الرجوع فيه بل ذكر ابن هبيرة اتفاق الأئمة الأربعة على أنه ليس لأحد من الزوجين الرجوع فيما وهب لصاحبه.
إلا أنه غير مصحح لاتصاف الأموال بما بعدها من الصفة، وقيل: إنما أضيفت إلى ضميرهم لأن المراد بالمال جنسه مما يتعيش الناس به ونسبته إلى كل أحد كنسبته إلى الآخر لعموم النسبة والمخصوص بواحد دون واحد شخص المال فجاز أن ينسب حقيقة إلى الأولياء كما ينسب إلى الملاك، ويؤيد ذلك وصفه بما لا يختص ال دون مال، واعترض بأن ذلك عزل عن حمل الأولياء على المحافظة المذكورة كيف لا والوحدة الجنسية المالية ليست مختصة بما بين أموال اليتامى وأموال الأولياء بل هي متحققة بين أموالهم وأموال الأجانب فإذًا لا وجه لاعتبارها أصلًا، وروي أنه سئل الصادق رضي الله تعالى عنه عن هذه الإضافة، وقيل له: كيف كانت أموالهم أموالنا؟ فقال: إذ كنتم وارثين لهم، وفيه احتمالان: أحدهما: أنه إشارة إلى ما ذكرناه أولًا في توجيه الإضافة، وثانيهما: أن ذلك من مجاز الأول، ويرد عليه حينئذ بعد القول بكذب نسبته إلى الصادق رضي الله تعالى عنه أن الأول غير متحقق بل العادة في الغالب على خلافه، والحمل على التفاؤل مما يتشاءم منه الذوق السليم.وذكر العلامة الطيبي أنه إنما أضيف الأموال إلى اليتامى في قوله تعالى: {وَءاتُواْ اليتامى أموالهم} [النساء: 2] ولم يضفه إليهم هنا مع أن الأموال في الصورتين لهم ليؤذن بترتب الحكم على الوصف فيهما فإن تسميتهم يتامى هناك يناسب قطع الطمع فيفيد المبالبغة في ردّ الأموال إليهم، فاقتضى ذلك أن يقال: أموالهم، وأما الوصف هنا فهو السفاهة فناسب أن لا يختصوا بشيء من المالكية لئلا يتورطوا في الأموال فلذلك لم يضف أموالهم إليهم وأضافها إلى الأولياء انتهى، ولا يخفى أنه بيان للعلة المرجحة لإضافة الأموال لمن ذكر، وينبغي أن تكون العلة المصححة ما مرّ آنفًا، ثم وصف اليتامى بأنهم سفهاء باعتبار خفة أحلامهم واضطراب آرائهم لما فيهم من الصغر وعدم التدرب، وأصل السفه الخفة والحركة، يقال: تسفهت الريح الشجر أي مالت به، قال ذو الرمة: وقال أيضًا: يعني خفيف زمامها، ولكون هذا الوصف مما ينشأ منه تبذير المال وتلفه المخل بحال اليتيم ناسب أن يجعل مناطًا لهذا الحكم، وقد فسر السفهاء بالمبذرين بالفعل من اليتامى وإلى تفسير الآية بما ذكرنا ذهب الكثير من المتأخرين، وروي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن المراد بالسفهاء النساء والصبيان، والخطاب لكل أحد كائنًا من كان، والمراد نهيه عن إيتاء ماله من لا رشد له من هؤلاء، وقيل: إن المراد بهم النساء خاصة، وروي عن مجاهد وابن عمر، وروي عن أنس بن مالك أنه قال: «جاءت امرأة سوداء جرية المنطق ذات ملح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قل فينا خيرًا مرة واحدة فإنه بلغني أنك تقول فينا كل شر قال: أي شيء قلت فيكن؟ قالت: سميتنا السفهاء فقال: الله تعالى سماكن السفهاء في كتابه، قالت: وسميتنا النواقص، فقال: كفى نقصانا أن تدعن من كل شهر خمسة أيام لا تصلين فيها، ثم قال: أما يكفي إحداكن أنها إذا حملت كان لها كأجر المرابط في سبيل الله تعالى وإذا وضعت كانت كالمشتحط في دمه في سبيل الله تعالى فإذا أرضعت كان لها بكل جرعة كعتق رقبة من ولد إسماعيل فإذا سهرت كان لها بكل سهرة تسهرها كعتق رقبة من ولد إسماعيل وذلك للمؤمنات الخاشعات الصابرات اللاتي لا يكفرن العشير فقالت: السوداء يا له من فضل لولا ما يتبعه من الشرط».وقيل: إن السفهاء عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير، وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن السفيه شارب الخمر ومن يجري مجراه، وجعل الخطاب عامًا أيضًا للأولياء وسائر الناس، والإضافة في أموالكم لا تفيد إلا الاختصاص وهو شامل لاختصاص الملكية واختصاص التصرف، وأيد ما ذهب إليه الكثير بأنه الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة، ومن ذهب إلى غيره جعل ذكر هذا الحكم استطرادًا وكون ذلك مخلًا بجزالة النظم الكريم محل تأمل، وقرأ نافع وابن عامر {قيمًا} بغير ألف، وفيه كما قال أبو البقاء ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مصدر مثل الحول والعوض وكان القياس أن تثبت الواو لتحصنها بتوسطها كما صحت في العوض والحول لكن أبدلوها ياءًا حملًا على قيام، وعلى اعتلالها في الفعل، والثاني: أنها جمع قيمة كديمة وديم والمعنى إن الأموال كالقيم للنفوس إذ كان بقاؤها بها، وقال أبو علي: هذا لا يصح لأنه قد قرئ في قوله تعالى: {دِينًا قِيَمًا مّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [الأنعام: 161] وقوله سبحانه: {الكعبة البيت الحرام قَيِّمًا} [المائدة: 97] ولا يصح معنى القيمة فيهما. والثالث: أن يكون الأصل قيامًا فحذفت الألف كما حذفت في خيم؛ وإلى هذا ذهب بعض المحققين وجعل ذلك مثل عوذًا وعياذًا، وقرأ ابن عمر قوامًا بكسر القاف وبواو وألف، وفيه وجهان: الأول: أنه مصدر قاومت قوامًا مثل لاوذت لواذًا فصحت في المصدر كما صحت في الفعل، والثاني: أنه اسم لما يقوم به الأمر وليس صدر، وقرئ كذلك إلا أنه بغير ألف وهو مصدر صحت عينه وجاءت على الأصل كالعوض، وقرئ بفتح القاف وواو وألف، وفيه وجهان: أحدهما: أنه اسم مصدر مثل السلام والكلام والدوام، وثانيهما: أنه لغة في القوام الذي هو عنى القامة يقال: جارية حسنة القوام والقوام، والمعنى التي جعلها الله تعالى سبب بقاء قامتكم، وعلى سائر القراءات في الآية إشارة إلى مدح الأموال وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن ولأن أترك مالًا يحاسبني الله تعالى عليه خير من أن احتاج إلى الناس، وقال عبد الله بن عباس: الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض لا تؤكل ولا تشرب حيث قصدت بها قضيت حاجتك، وقال قيس بن سعد: اللهم ارزقني حمدًا ومجدًا فإنه لا حمد إلا بفعال ولا مجد إلا ال، وقيل لأبي الزناد: لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ فقال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها، وفي «منثور الحكم» من استغنى كرم على أهله، وفيه أيضًا الفقر مخذلة والغنى مجذلة والبؤس مرذلة والسؤال مبذلة وكانوا يقولون: اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه، وقال أبو العتاهية: وقد أكثر الناس في مدح المال واختلفوا في تفضيل الغنى والفقر، واستدل كل على مدعاه بما لا يتسع له هذا المجال، ولشيخنا علاء الدين أعلى الله تعالى درجته في أعلى عليين: وله أيضًا: {وارزقوهم فِيهَا واكسوهم} أي اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا وتربحوا حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال لئلا يأكله الانفاق، وهذا ما يقتضيه جعل الأموال نفسها ظرفًا للرزق والكسوة، ولو قيل: منها كان الانفاق من نفس المال، وجوز بعضهم أن تكون في عنى من التبعيضية.{وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} أي كلامًا تطيب به نفوسهم كأن يقول الولي لليتيم: مالك عندي وأنا أمين عليه فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك، وعن مجاهد وابن جريج أنهما فسرا القول المعروف بِعِدَة جميلة في البر والصلة، وقال ابن عباس: هو مثل أن يقول: إذا ربحت في سفري هذا فعلت بك ما أنت أهله، وإن غنمت في غزاي جعلت لك حظًا، وقال الزجاج: علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل، وقال القفال: إن كان صبيًا فالوصي يعرفه أن المال ماله وأنه إذا زال صباه يرد المال إليه، وإن كان سفيهًا وعظه وحثه على الصلاة وعرفه أن عاقبة الاتلاف فقر واحتياج.وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية إن كان ليس من ولدك ولا ممن يجب عليك أن تنفق عليه فقل له: عافانا الله تعالى وإياك بارك الله تعالى فيك، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر لما أنه ظاهر في أن الخطاب في هذه الجملة ليس للأولياء، وبالجلمة كل ما سكنت إليه النفس لحسنه شرعًا أو عقلًا من قول أو عمل معروف، وكل ما أنكرته لقبحه شرعًا أو عقلًا منكر قاله غير واحد وليس إشارة إلى المذهبين في الحسن والقبح هل هو شرعي أو عقلي كما قيل إذ لا خلاف بيننا وبين القائلين بالحسن والقبح العقليين في الصفة الملائمة للغرض والمنافرة له، وإن منها ما مأخذه العقل وقد يرد به الشرع، وإنما الخلاف فيما يتعلق به المدح والذم عاجلًا والثواب والعقاب آجلا هل هو مأخذه الشرع فقط أو العقل على ما حقق في الأصول.
|